يوم 26 أغسطس عام 2005, سيبقى ذلك التاريخ محفورا في ذاكرتي ، انه يوم المباراة النهائية لبطولة العالم للسنوكر فئة الهواة تحت 21 وفوق 40 سنة التي أقيمت هنا في البحرين والتي كنت فيها سعيدا وفخورا للغاية بما حققته البحرين بعد الاستضافة الكبيرة والنجاح الكبير ليس للبحرين فقط بل للعرب جميعا في ختام العرس العالمي على أرض بلدنا الحبيب الذي يقام للمرة الأولى في الخليج العربي وللمرة الثانية مرة في الشرق الأوسط.
فبعد ختام فعاليات البطولة حاورني مذيع بريطاني من إذاعة البحرين الناطقة باللغة الانجليزية وحينها سألني سؤالا غريبا كان يجب عليه طرحه على رئيس الإتحاد الدولي وليس رئيس إتحاد محلي! ... ومع هذا لم أتردد في الإجابة على السؤال الذي سألني إياه بنبرة غيرة وحسد عن سر احتلال الصينيين للمراكز الثلاث الأولى على منصة التتويج. بالفعل كان سؤالا غريبا ربما لان المذيع كان بريطانيا يريد تفسيرا لهذه السيطرة التامة من قبل الصينيين والسؤال غير المباشر هو أين البريطانيين من كل هذا. .. جوابي له كان ..أنتظر أولمبياد بكين عام 2008 وستعرف الإجابة. جوابي غير المباشر وما كنت أعنيه هو أن لا أحد حاليا في الرياضة يعمل بجدية وحماس اكبر من الصينيين ومدى تطورهم سوف يظهر في الأولمبياد القادمة وبالتأكيد سوف ينافسون الأمريكان بقوة في اقتناص أكبر عدد من الميداليات التي دائما ما تكون من نصيب الأخير.
أما بالنسبة لحب الصينيين الكبير للسنوكر الذي ظهر منذ أواخر العقد الماضي, فلا أحد يعلم بالضبط كيف بدأ, ولكن ما نعلمه أنهم بدأوا يتنافسون بقوة على المراكز الأولى في السنوكر ليظهر بينهم مؤخرا لاعب صغير وهو يتمتع بموهبة كبيرة وسرعة في التصويب ومضاعفة معدلاته حتى أنه سمي بمعجزة الصين. اللاعب الذي أتكلم عنه هو اللاعب الصيني دينج جون هوي الذي ولد بتاريخ 1 أبريل عام 1987 مما يعني انه لم يصل بعد لسن ال21.
بداية دينج مع السنوكر بدأت وهو في عمر ال 9 سنوات حينما ذهب مع أبيه لمشاهدة تدريبات منتخب الصين للسنوكر ويرى دقة وسحر اللعبة ويولد حينها حب اكتشافه للعبه ليتطور للعشق بعد ضربته الأولى التي زادت مع كل ضربه ليصل حاله بأنه بدأ يتدرب لمدة ثمان ساعات يوميا حتى وصل للتصنيف رقم 1 محليا والنجاح في تسجيل معدل 147 وهو سن الثالثة عشرة وهو ما يمكن اعتباره امرا خرافيا في عالم السنوكر !.
وشهد عام 2002 حصول دينج على بطولة أسيا في فئتي تحت 21 سنة والعموم وبطولة العالم لتحت 21 سنة, أما في عام 2003 فلم يستطع دينج تحقيق بطولة أسيا للعموم وتحت 21 نظرا لإلغاء البطولتين بسبب مرض السارس الذي انتشر في شرق أسيا ولكنه حصل على بطاقة دعوة لدخول بطولات المحترفين في السنة نفسها على أثر وصوله للدور نصف النهائي في بطولة العالم لتحت 21 سنة والتي جعلت والده يقنع أمه ببيع منزلهم من أجل مساعدة دينج في مشواره الاحترافي من الناحية المالية.
موسم 2003-2004 شهد دخول دينج الرسمي في بطولات المحترفين ليبدأ بعد ذلك مشقة الصعود في التصنيف العام من خلال خوض تصفيات مع 80 لاعبا محترفا من أجل الوصول للنهائيات قبل مواجهة أفضل 16 لاعبا مصنفا الذين يتأهلون مباشرة لدور ال32 من كل بطولة حسب نظام البطولات التصنيفية، ولكن في فبراير من عام 2004, حصل دينج على دعوة المشاركة في نهائيات بطولة الأساتذة التي تمكن فيها من هزيمة المنصف 16 في ذلك الوقت جو بيري قبل خسارته 6-5 من ستيفن لي بعد أن كان متقدما بنتيجة 5-2.، وقد دفع اداؤه المدهش المتابعين يتنبأون بأنه سيكون بين المرشحين للفوز ببطولة العالم مستقبلا.
في مارس 2005 وقبيل احتفاله بعيد ميلاده الثامن عشر, وصل دينج لنهائي بطولة الصين ليواجه اللاعب الأسطورة ستيفن هندري و نجح بالفوز علية بنتيجة 9-5 ويجن معه جنون ملايين الصينيين وهم يرون لاعبهم الصغير يطيح بأحد عمالقة السنوكر حتى أنه سمي ب "ستيفن هندري الجديد" و"اللاعب المعجزة".
وفي ديسمبر من عام 2005 ايضا, نجح دينج في الإطاحة بالمزيد من عمالقة السنوكر عندما أسقط جيمي وايت, واللاعب الموهوب الذي توفى مؤخرا بول هنتر, وجو بيري ليصل بذلك للمباراة النهائية من بطولة المملكة المتحدة ويواجه فيها اللاعب الخبير في لعبات الأمان وبطل العالم لست مرات ستيف ديفس ولكن الأخير وقع ضحية للصيني كغيره وذلك بنتيجة 10-6, ليرتفع تصنيف دينج من 62 إلى 31 ثم 27 في نهاية ذلك الموسم.
أما بالنسبة للجماهير الصينية, فقد كانت بانتظار لاعبها الأول في بطولة الصين عام 2006 لكنها أصيبت بخيبة أمل وهي تشاهد دينج يخسر أمام مارك وليمز في الدور نصف النهائي قبل نجاح الأخير في الفوز باللقب، ولكن دينج عاد للقمة مرة ثانية بعد وصوله للمقدمة في بطولة أيرلندا الشمالية ليتأهل للمباراة النهائية بعد إطاحته بستيفن لي في الدور نصف النهائي وتأهله لملاقاة روني أوسلوفن الذي هو الأخر لم يستطع وقف قطار الشرق الأقصى الذي طار بلقبه الثالث في مشواره عندما فاز في المباراة بنتيجة 9-6 ويصبح بذلك اللاعب الثالث في تاريخ المحترفين الذي يفوز بثلاث بطولات قبل بلوغ سن ال20 عاما بعد روني أوسلوفن وجون هيجنز، ومع فوزه ببطولة أيرلندا الشمالية, وصل دينج للتصنيف الخامس في قائمة المحترفين.
وفي دورة الألعاب الأسيوية بالدوحة عام 2006, فاز دينج بجميع مسابقات السنوكر عندما فاز بالمركز الأول في بطولة الفردي, الزوجي, والجماعي ويصل بعد ذلك لبطولة المملكة المتحدة التي كان يحمل لقبها ولكنه خسر في الدور قبل النهائي من بيتر أبدن بنتيجة 9-5. إلا أن الحظ ابتسم لدينج مجددا وذلك في الرابع عشر من يناير سنة 2007 وهو التاريخ الذي حقق فيه معدل 147 ليسجل أسمه كأصغر لاعب ينجح في تحقيق المعدل أمام كاميرات التلفزيون بعد روني أوسلوفن الذي سبقه في تحقيق ذلك، وقد حقق دينج ذلك المعدل القياسي في مباراته ضد أنثوني ديفدسون في بطولة لندن والتي تعتبر المرة الثانية الذي يتحقق فيها هذا المعدل بعد نجاح كيرك ستيفنز عام 1984، وبعد ذلك وصل دينج للمباراة النهائية التي كان ينتظر فيها روني أوسلوفن بفارغ الصبر، وسارت تلك المباراة حسب أراء المتابعين بأنها أفضل ما تشاهده الجمهور على شاشة التلفزيون بعد المستوى الرهيب الذي ظهر به أوسلوفن وسيطرته التامة على مجريات المباراة ما جعل دينج يبكي وقت خروجه من صالة البطولة وهو يمسك بيد روني عندما أصبحت النتيجة 8-3 في استراحة الفترة الثانية، وقتها لم يعلم المشاهدين عما إذا استسلم دينج وقت بكائه أو ظن أن المباراة قد أنتهت أو ربما كان يهنئ أوسلوفن على أدائه المميز في المباراة ولكن تبيّن فيما بعد بأنه قد استسلم بالفعل لكونه لم يأخذ الكثير من الوقت في اختيار الكرات التي كان يصوب عليها كاشفا فيما بعد بأنه ظن بان المباراة كانت من أفضل 17 وليس 19 شوطا, ما جعل الشوط الأخير بعد الاستراحة ينتهي سريعا وتنتهي معه الآمال والبطولة.
وشهدت البطولات التالية خروج دينج من الدور الأول لبطولة مالطا بخسارته من ستيفن مجواير ومن الدور الاول ايضا لبطولة ويلز بخسارته امام جيمي كوب ولكنه نجح في التأهل لنهائيات بطولة العالم بعد فوزه على مارك ديفس ،وفي سبتمبر 2007 التحق دينج بقائمة اللاعبين المحترفين المتبرعين للجمعيات الخيرية مما يضفي بعدا انسانيا على مسيرته الرياضية المتميزة.
ومع كل تلك النجاحات التي حققها دينج خلال فترة قصيرة فانني لا أعلم كيف تجرأ "الاخوان " الصينيون بمقارنته بالأسطورة ستيفن هندري أو حتى التنبؤ بأنه ستيفن هندري الجديد!؟ .. فلو قارنا سريعا لوجدنا أن هندري فاز ببطولة العالم في أول ظهور له في البطولة وهو في عمر ال21 أما دينج فقد تأهل لبطولة العالم وهو في سن ال20 ولكنه خرج من الدور الأول، صحيح أننا لا نعلم بالغيب والفوز على هندري وهو في سن ال39 مستحيل أن يكون مؤشرا على ذلك، ولكن أن يعتبر معجزة فلا مانع من ذلك بشرط أن تكون مربوطة بالصين نفسها و الصينيون أحرار في ذلك ولكني أتوقع أنهم نسوا ستيفن هندري في صغره وكيف سيطر على السنوكر الذي لا استطيع أن أجد رياضيا في حجم سيطرته على لعبته باستثناء مايكل شوماخر في الفور مولا واحد ومايكل جوردن في كرة السلة ومايك تايسون في الملاكمة، أما التوقع بأن دينج سيكون هندري المستقبل فالله اعلم بذلك, ودينج مازال في بداية مشواره ومازال أمامه الكثير ولا نعلم أن كان مستواه سوف يرتفع أم ينزلق. ولكن ما نستطيع قوله أن هندري هو واحد لا غير وعلامات ظهور خليفته لم تظهر بعد, تحديدا لم تظهر حتى وقت كتابة هذا المقال.